فإذا نظر العبد إلى هذا وتدبره وتأمله أورثه ذلك إيماناً بأن الذي ما جعل في خلقه من تفاوت هو الذي ما جعل في دينه وفي شرعه من تفاوت من باب أولى؛ لأن هذا الكون إنما هو للنظر والاتعاظ، وهو مسخر لنا، أما الشرع والدين فقد أحكمه الله تبارك وتعالى وفصله لتقوم حياتنا عليه، ولنعبد الله تبارك وتعالى كما أمر وشرع، ولتستقيم أمورنا بالعدل والإنصاف والتعامل فيما بيننا وفق ما شرع الله تبارك وتعالى.
فلو أن الناس أقاموا حياتهم على ما أمر الله وعلى طاعة الله وعلى إرضاء الله لم يكن فيها من تفاوت، وإنما يقع الخلل ويقع الفساد في حياة الناس ويقع التفاوت وتقع الذنوب والمصائب العظام بسبب أن الناس لم يستقيموا على أمر الله تبارك وتعالى، والخلل الذي ينتج عن عصيان العباد وضعف إيمانهم يؤدي إلى الفساد الكوني أيضاً، فقد جاء عن بعض السلف قوله: (إن الحبارى لتموت في أوكارها من ظلم الظالم) حتى الطيور والبهائم تشكو إلى الله وتضج من ظلم الظالم وفجور الفاجر وبطش المتجبر وغدر الغادر؛ لأن الحياة الكونية تتأثر بالحياة البشرية، وهي عقوبات ينزلها الله تبارك وتعالى، وإذا جاءت العقوبة عمت، كما قال تعالى: (( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ))[الأنفال:25].
فمن هنا وجب على الإنسان أن يقوي إيمانه وأن يستكمل حقيقة الإيمان بقدر ما يستطيع، فإذا حصل ذلك في حياة الناس واستقام الناس على الإيمان وكمل إيمانهم فإن أمورهم تنتظم، فينتظم الجانب الاختياري الذي جعله الله تبارك وتعالى محلاً للعقوبة أو للمثوبة مع الجانب الذي جعله الله تبارك وتعالى جارياً وفق السنن الإلهية، كحركة الليل والنهار.
فعلى الناس أن يجتهدوا ليوافقوا هذه السنن بأداء ما افترضه الله تبارك وتعالى عليهم، واتباع أمر الله ظاهراً وباطناً، والإيمان به كما أمر وكما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجيل الأول الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي ضرب القدوة والأنموذج الأعلى في هذا.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.